{إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ.}. أي إن الله لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية فيزيلها عنهم وينتقم منهم إلا بتغيير ما بأنفسهم بأن يكون منهم الظلم والمعاصي والفساد وارتكاب الشرور والآثام التي تهدم بنية المجتمع وتدمر كيان الأمم.
أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، يوشك أن يعمهم الله بعقاب».
وهذا مؤكد للآية:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال ٢٥/ ٨].
وواقع التاريخ الإسلامي في القرون الماضية يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى لم يغيّر ما كان عليه حال الأمة الإسلامية من عزة ومنعة، ورفاه واستقلال، وعلم وتفوق في السياسة والاقتصاد والاجتماع، إلا بعد أن غيروا ما بأنفسهم، فحكموا بغير القرآن، وأهملوا دينهم، وتركوا سنة نبيهم، وقلدوا غيرهم، وضعفت روابط التعاون بينهم، وساءت أخلاقهم، وانتشرت الموبقات بينهم، وقد وعد الله الأرض من يصلحها بقوله:{أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ}[الأنبياء ١٠٥/ ٢١] أي الصالحون لعمارتها، وقوله:{إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ، يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف ١٢٨/ ٧].
ثم وصف تعالى قدرته المطلقة على العذاب فقال:{وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً.}. أي وإذا أراد الله بقوم سوءا من فقر أو مرض أو احتلال ونحوها من أنواع البلاء، فلا يستطيع أحد أن يدفع ذلك عنهم، وما لهم من غير الله تعالى ناصر يلي أمورهم، ويدفع عنهم، أي يجلب لهم النفع ويدفع عنهم الضر، فتلك الآلهة المزعومة لا تستحق الألوهية لعجزها عن فعل شيء نافع أو دفع أذى ضار.