والأوثان والمعبودات الباطلة وهم المشركون، لا يجيبونهم إطلاقا، ولا يستجيبون لهم دعاء، ولا يسمعون لهم نداء، ولا يحققون لهم نفعا ولا يدفعون عنهم ضرا، وما استجابتهم إلا كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه من بعيد، طالبا وصوله إلى فمه، وهو عطشان، والماء جماد لا يعقل دعاء، ولا يلبي نداء، ولا يشعر به.
ويلاحظ ما عليه هذا التشبيه من واقعية ومن بسط الكفين كما يبسطها الداعي إلى الله.
فهذا مثل ضربه الله ليأس عبدة غير الله من الإجابة لدعائهم، لتنبيه عقولهم وحواسهم، والعرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض الماء باليد. قال الشاعر:
فأصبحت فيما كان بيني وبينها*من الودّ مثل القابض الماء باليد {وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ} أي ليست عبادة الكافرين الأصنام إلا في خسار وضياع وبطلان، فإن دعاءهم لهم غير مجاب، كما أن دعاءهم الله غير مجاب أيضا.
ثم بين الله تعالى كمال قدرته وعظمته وسلطانه فقال:{وَلِلّهِ يَسْجُدُ.}. أي ولله يخضع وينقاد كل شيء طوعا من المؤمنين والملائكة في حالي الشدة والرخاء، وكرها من الكافرين في حال الشدة، بل كل شيء من مخلوقات الكون من إنسان وحيوان ونبات وجماد خاضع منقاد للخالق الذي خلقهم وأوجدهم. وكذلك تسجد لله وتخضع ظلال كل من له ظل مما ذكر في الصباح الباكر وفي آخر النهار، وتخصيص هذين الوقتين بالذكر لظهور الامتداد والتقلص، أو لإرادة الدوام، كما هو الشأن في استعمالات العرب. والسجود لله دال على الربوبية، فلا يستحق العبادة سوى الله تعالى.