وعيونا، أو تكلم به الموتى في قبورها بإحيائهم بقراءته، لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره، بل هو الأولى لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثله، ولا بسورة من مثله، ولأنه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا لاشتماله على الأدلة الكونية الدالة على وجود الصانع، والأحكام والأنظمة التي تصلح البشر وتسعدهم في الدارين. والآية مثل قوله تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ}[الحشر ٢١/ ٥٩].
{بَلْ لِلّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} بل مرجع الأمور كلها إلى الله عز وجل، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ومن يضلل الله فلا هادي له، ومن يهد الله فما له من مضل، فهو سبحانه صاحب الإرادة والأمر في إنزال الآيات، وهو القادر على كل شيء، فلو كان تحقيق طلب ما اقترحوه مناسبا مشتملا على الحكمة والمصلحة، لأنجزه تعالى، ولكن كفى بالقرآن آية لأولي الألباب، والإرادة الإلهية لم تتعلق بغير ذلك؛ لعلمه تعالى ألا فائدة في مجاراتهم، وأن قلوبهم لا تلين، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فكان الإضلال والهداية مرتبطا بنظام السببية، أي أن الله أنزل في القرآن آيات كافية للهداية، فمن أعرض عنها ضل، فكان ترك الآيات سببا في ضلاله.
{أَفَلَمْ يَيْأَسِ.}. أي ألم يعلم المؤمنون أن الله قادر لو شاء على هداية الناس أجمعين إلى الإيمان بالقرآن.
أو ألم ييأس الذين آمنوا من إيمان جميع الخلق، ويعلموا أو يتبينوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا إلى دينه، فإنه ليس ثم حجة ولا معجزة أبلغ، ولا أنجع في العقول والنفوس من هذا القرآن.
ثبت في الصحيح الذي رواه البخاري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نبي إلا وقد أوتي ما آمن على مثله