وإذا كان هدفي هو وضع تفسير للقرآن الكريم يربط المسلم وغير المسلم بكتاب الله تعالى-البيان الإلهي ووحيه الوحيد حاليا، الثابت كونه كلام الله ثبوتا قطعيا بلا نظير له ولا شبيه-فإنه سيكون تفسيرا يجمع بين المأثور والمعقول، مستمدا من أوثق التفاسير القديمة والحديثة، ومن الكتابات حول القرآن الكريم تأريخا، وبيان أسباب النزول، وإعرابا يساعد في توضيح كثير من الآيات، ولست بحاجة كثيرة إلى الاستشهاد بأقوال المفسرين، وإنما سأذكر أولى الأقوال بالصواب بحسب قرب اللفظ من طبيعة لغة العرب وسياق الآية.
ولست في كل ما أكتب متأثرا بأي نزعة معينة، أو مذهب محدد، أو إرث اعتقادي سابق لاتجاه قديم، وإنما رائدي هو الحق الذي يهدي إليه القرآن الكريم، على وفق طبيعة اللغة العربية، والمصطلحات الشرعية، مع توضيح آراء العلماء والمفسرين، بأمانة ودقة وبعد عن التعصب.
ولكن ينبغي البعد عن استخدام آيات القرآن لتأييد بعض الآراء المذهبية أو اتجاهات الفرق الإسلامية، أو التعسّف في التأويل لتأييد نظرية علمية قديمة أو حديثة، لأن القرآن الكريم أرفع بيانا، وأرقى مستوى، وأعلى شأنا من تلك الآراء والمذاهب والفرق، وليس هو كتاب علوم أو معارف كونية كالفلك وعلم الفضاء والطب والرياضيات ونحوها، وإن وجدت فيه بعض الإشارات إلى نظرية ما، وإنما هو كتاب هداية إلهية، وتشريع ديني، ونور يهدي لعقيدة الحق، وأصلح مناهج الحياة، وأصول الأخلاق والقيم الإنسانية العليا، كما قال الله تعالى:{قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ، وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}[المائدة ١٥/ ٥ - ١٦].