{قُلْ: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران ١١٩/ ٣]. والمراد أنهم كذبوا واستهزءوا ولم يؤمنوا. فهو-كما قال أبو عبيدة والأخفش-مثل.
{وَقالُوا: إِنّا كَفَرْنا.}. أي وقالوا للرسل: إنا كفرنا بما أرسلتم به من الآيات، أي كفرنا بدلالتها على صدق رسالتكم.
وإنا لفي شك موقع في الريبة والقلق والاضطراب مما تدعوننا إليه من الإيمان بالله وحده، وترك ما سواه.
وتساءل الرازي بقوله: فإن قيل: كيف تنازلوا إلى الشك في صحة قولهم بعد تصريحهم بالكفر برسالتهم؟ ثم أجاب بأنهم أرادوا أنهم كافرون في الواقع وبنحو جازم متيقن بدعوتهم، فإن لم نكن جازمين فلا أقل من أن نكون شاكين مرتابين في صحة نبوتكم، وعلى التقديرين فلا سبيل إلى الاعتراف بنبوتكم.
{قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}: أفي وجود الله شك؟! فإن الفطرة تقرّ بوجوده، ومجبولة على الإقرار به. وهل في تفرده بالألوهية ووجوب عبادته شك وهو الخالق لجميع الموجودات، ولا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له؟! فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنون أنها تقربهم من الله زلفى.
وأما دليل الفطرة فثابت كما
أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله فيما رواه ابن عدي والطبراني والبيهقي عن الأسود بن سريع:«كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه، أو يمجّسانه».
وأما دليل الخلق فهو أمر حسي مشاهد، وهو ما نبّه إليه بقوله مباشرة:
{فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي كيف تشكون في الله، وهو خالق السموات والأرض ومبدعهما على غير مثال سبق، وعلى هذا النظام المحكم البديع؟! وهو تعالى عدا كونه خالقا وهو دليل وجوده، هو كامل الرحمة لقوله: