ثم ذكر الله تعالى محاورة أخرى بين الشيطان وأتباعه من الإنس، فقال:
{وَقالَ الشَّيْطانُ.}. أي وقال إبليس لأتباعه الإنس، بعد ما قضى الله بين عباده، فأدخل المؤمنين الجنات، وأسكن الكافرين الدركات: إن الله وعدكم بالبعث والجزاء وعد الحق على ألسنة رسله، وكان وعدا حقا وخبرا صدقا، وأما أنا فوعدتكم ألا بعث ولا جزاء، ولا جنة ولا نار، فأخلفتكم موعدي، إذ لم أقل إلا باطلا من القول وزورا، كما قال تعالى:{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ، وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً}[النساء ١٢٠/ ٤] وقد اتبعتموني وتركتم وعد ربكم.
{وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ} أي وما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه دليل ولا حجة، ولا قوة ولا تسلط فيما وعدتكم به.
{إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ.}. أي ولكن حينما دعوتكم استجبتم لي، بمجرد ذلك.
{فَلا تَلُومُونِي.}. أي فلا توجهوا اللوم إلي اليوم، ولوموا أنفسكم؛ لأنكم أسرعتم إلى إجابتي باختياركم، فإن الذنب ذنبكم؛ لكونكم لم تستمعوا إلى دعاء ربكم، وقد دعاكم دعوة الحق بالحجج والبينات، فخالفتم البراهين الداعية لكم إلى الصواب.