ومناسبة قوله:{رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي.}. لقوله:{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي.}. هو لمراعاة الأدب الجم مع الله تعالى، فهو عليه السلام كان يريد أن يطلب من الله إعانة زوجه هاجر وابنه إسماعيل بعد موته، ولكنه لم يصرح بهذا المطلوب، بل ذكر أنك يا رب تعلم ما في قلوبنا وضمائرنا، ثم نوّه بحال ذريته بعد موته، فكان هذا دعاء لزوجه وابنه بالخير والمعونة بعد موته، على سبيل الرمز والتعريض.
وذلك-كما قال الرازي-يدل على أن الاشتغال بالثناء عند الحاجة أفضل من الدعاء،
قال عليه الصلاة والسلام حاكيا عن ربه أنه قال فيما رواه البخاري والبزار والبيهقي عن ابن عمر:«من شغله ذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطيت السائلين».
ثم دعا بما يكون دليلا على شكر الله فقال:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ.}. أي رب اجعلني مؤديا صلاتي على أتم وجه، محافظا عليها، مقيما لحدودها.
واجعل بعض ذريتي كذلك مقيمي الصّلاة؛ لأن {مِنْ} للتبعيض.
وخص الصلاة بالذكر لأنها عنوان الإيمان، ووسيلة تطهير النفوس من الفحشاء والمنكر.
{رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ} أي اقبل يا رب دعائي، أو عبادتي في رأي ابن عباس بدليل قوله تعالى:{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ}[مريم ٤٨/ ١٩]. و
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه الجماعة وغيرهم عن النعمان بن بشير:«الدعاء هو العبادة» ثم قرأ: {وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي، سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ}.
{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي.}. أي ربنا استرني وتجاوز عن ذنوبي وذنوب والدي وذنوب المؤمنين كلهم يوم يثبت ويوجد الحساب فتحاسب عبادك على أعمالهم