للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً} [الجن ٩/ ٧٢] وقال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ، وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ} [الملك ٥/ ٦٧].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت الشياطين لا تحجب عن السموات، فكانوا يدخلونها، ويسمعون أخبار الغيوب من الملائكة، فيلقونها إلى الكهنة، فلما ولد عيسى عليه السلام، منعوا من ثلاث سموات، فلما ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منعوا من السموات كلها، فكل واحد منهم إذا أراد استراق السمع، رمي بشهاب (١).

والصحيح أن الشهاب يقتل الشياطين قبل إلقائهم الخبر، فلا تصل أخبار السماء إلى الأرض أبدا إلا بواسطة الأنبياء وملائكة الوحي. ولذلك انقطعت الكهانة ببعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم.

ثم أردف الله تعالى بيان الدلائل الأرضية بعد الدلائل السماوية على وحدانيته فقال: {وَالْأَرْضَ مَدَدْناها..}. أي وجعلنا الأرض ممدودة الطول والعرض، ممهدة للانتفاع بها، في مرأى العين، وبالنسبة للإنسان الذي يعيش على سطحها، كما قال تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ} [الذاريات ٤٨/ ٥١] فلا يعني ذلك نفي كروية الأرض؛ لأن أجزاء الكرة العظيمة تظهر كالسطح المستوي لمن يقف على جزء منها. وهذا دليل واضح على كمال قدرة الله تعالى وعظمته؛ لأن الإنسان المنتفع بها يراها منبسطة رغم تكويرها، ثابتة رغم تحركها.

{وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ} أي وجعلنا فيها جبالا ثوابت كيلا تضطرب بالإنسان، كما قال تعالى في آية أخرى: {وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل ١٥/ ١٦]


(١) تفسير الرازي: ١٦٩/ ١٩، الكشاف: ١٨٨/ ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>