قريشا بالعذاب مثل ما أنزلنا من العذاب على المتسمين-يعني اليهود-وهو ما جرى على قريظة والنضير، فجعل المتوقع بمنزلة الواقع، وهو من الإعجاز؛ لأنه إخبار بما سيكون، وقد كان.
فكل من هذين الرأيين جعل المقتسمين من أهل الكتاب، والمقتسم هو القرآن. ويجوز أن يراد بالقرآن كتبهم التي يقرءونها، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، ويكون هذا من باب التسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم حيث قال قومه عن القرآن؛ إنه سحر، أو شعر، أو كهانة.
وهناك وجه ثالث مروي أيضا عن ابن عباس، جعله الرازي هو القول الأول، حيث قال ابن عباس: هم الذين اقتسموا طرق مكة، يصدون الناس عن الإيمان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقرب عددهم من أربعين. وقال مقاتل بن سليمان:
كانوا ستة عشر رجلا، بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم، فاقتسموا عقبات مكة وطرقها يقولون لمن يسلكها: لا تغتروا بالخارج منا، والمدعي للنبوة، فإنه مجنون، وكانوا ينفرون الناس عنه، بأنه ساحر، أو كاهن. أو شاعر، فأنزل الله تعالى بهم خزيا، فماتوا شر ميتة، والمعنى: أنذرتكم مثل ما نزل بالمقتسمين (١).
فالمقتسمون: هم القرشيون.
وبعد هذا الإنذار أقسم الله تعالى بذاته العلية على وقوع الحساب على الأعمال، فقال:{فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.}. أي فو الله لنسألن جميع الكفار سؤال توبيخ وتأنيب لهم عن أقوالهم وأعمالهم، وسنجازيهم عليها الجزاء الأوفى.
فسر أبو العالية الآية فقال: يسأل العباد كلهم عن خلّتين يوم القيامة: عما كانوا يعبدون، وعما ذا أجابوا المرسلين.