للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان هؤلاء المستهزئون مشركين، لذا وصفهم الله بقوله: {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ} أي الذين يتخذون إلها آخر مع الله، فيشركون به من لا يضر ولا ينفع.

{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة أمرهم ومآل شركهم ونتيجة كفرهم. وهذا تهديد ووعيد لهم بسوء المصير، لعلهم يرتدعون ويؤمنون.

ثم سلّى الله نبيه عما يصيبه من أذى المشركين فقال: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ.}. أي وإنا لنعلم يا محمد أنك تتأذى من سخرية المشركين وشركهم، ويحصل لك ضيق صدر وانقباض، فلا يثنينك ذلك عن إبلاغ رسالة الله، وتوكل عليه، فإنه كافيك وناصرك عليهم، والجأ إليه لإزالة الانقباض والجزع. {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.

أي فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة، وداوم على ذلك حتى يأتيك اليقين، أي الموت، وسمي الموت باليقين؛ لأنه أمر متيقن، والدليل لهذا التأويل: قوله تعالى حكاية عن أهل النار: {قالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ، وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتّى أَتانَا الْيَقِينُ} [المدثر ٤٣/ ٧٤ - ٤٧] أي الموت.

وهذا دليل على أن علاج ضيق الصدر هو التسبيح والتقديس والتحميد والإكثار من الصلاة، وأن العبادة كالصلاة واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا، فيصلي بحسب حاله، كما

ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب».

وهو دليل أيضا على تخطئة بعض الملاحدة القائلين بأن المراد باليقين:

المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة، سقط‍ عنه التكليف عندهم، وهذا-كما

<<  <  ج: ص:  >  >>