وإنما ذكر {اِثْنَيْنِ} بعد قوله {إِلهَيْنِ} لتأكيد التنفير عن التعدد، والدّلالة على أن المنهي عنه هي الاثنينية. وكان ذكر {واحِدٌ} بعد قوله {إِلهٌ} للدلالة على أن المقصود إثبات الوحدانية، أما الألوهية فلا خلاف ولا نزاع فيها. وجاء بهذه العبارة {إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ} بعد ثبوت الإله ونفي التعدّد للدلالة على أنه لما ثبت وجود الإله وأنه لا بدّ للعالم من الإله، وثبت أن القول بوجود الإلهين محال، ثبت أنه لا إله إلا الواحد الأحد الفرد الصّمد.
والخلاصة مما ذكر: أن لا إله إلا الله وحده، وأن العبادة لا يستحقها سواه.
{وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ.}. أي لما كان الإله واحدا، والواجب لذاته واحدا، كان كل ما سواه حاصلا بخلقه وتكوينه وإيجاده، فلله جميع ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، فهو خالقهم ورازقهم، ومحييهم ومميتهم، وهم عبيده ومملوكوه، وله الدّين واصبا، أي له الطاعة والانقياد والعبادة على سبيل الدوام والاستمرار، فالدّين هنا: الطاعة، والواصب: الدائم. وقيل:
الواصب: الواجب اللازم أبدا.
{أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ} أي إنكم بعد ما عرفتم أن إله العالم واحد، وعرفتم أن كلّ ما سواه محتاج إليه في وقت حدوثه، ومحتاج إليه أيضا في وقت دوامه وبقائه، فكيف يعقل الرغبة في غير الله أو رهبة غير الله تعالى؟ وهذا مقول على سبيل التّعجب.
{وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ.}. وإذا كان الواجب ألا يتقى غير الله، فالواجب ألا يشكر غير الله؛ إذ ما من نعمة بكم من إيمان وسلامة جسد وعافية، ورزق ونصر ونحو ذلك إلا وهي من الله عزّ وجلّ ومن فضله وإحسانه.
فدلّت الآية على أن العاقل يجب عليه ألا يخاف وألا يتقي أحدا إلا الله، وألا يشكر أحدا إلا الله تعالى، فجميع النّعم من الله تعالى.