{بِما كانُوا يُفْسِدُونَ} أي هذه الزيادة من العذاب بسبب الإفساد والصد.
وهذا دليل على أن من دعا غيره إلى الكفر والضلال، فقد عظم عذابه، فكذلك إذا دعا إلى الدين الحق واليقين، فقد عظم قدره عند الله تعالى.
والآية دليل على تفاوت الكفار في عذابهم، كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم، كما قال تعالى:{قالَ: لِكُلٍّ ضِعْفٌ، وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف ٣٨/ ٧].
ثم خصص الله تعالى بالذكر شهادة محمد صلّى الله عليه وسلّم على أمته، وهو نوع آخر من التهديد المانع من المعاصي، فقال مخاطبا رسوله:{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ.}.
أي واذكر أيها الرسول يوم نبعث في كل أمة (أي قرن وجماعة) نبيها يشهد عليها، قطعا للحجة والمعذرة، وجئنا بك شاهدا على هؤلاء أي أمتك، بما أجابوك به عن رسالتك، فيظهر لك الشرف الرفيع والمقام العظيم.
وهذه الآية شبيهة بالآية التي انتهى إليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدر سورة النساء، فلما وصل إلى قوله:{فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً}[النساء ٤١/ ٤]
فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«حسبك» فقال ابن مسعود رضي الله عنه: فالتفتّ، فإذا عيناه تذرفان.
ثم أبان الله تعالى بمناسبة بيان شهادة النبي على أمته أنه أزاح علتهم فيما كلفوا، فلم يبق لهم حجة ولا معذرة، فقال:
{وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً.}. أي ونزلنا عليك أيها الرسول هذا القرآن تبيانا لكل شيء من العلوم والمعارف الدينية، مما يحتاج إليه الناس في حياتهم، وهدى للضالين، ورحمة لمن صدّق به، وبشرى لمن أسلم لله وجهه، فأطاعه وأناب إليه، بجنان الخلد والثواب العظيم.