فأمرت الآية بأوامر ثلاثة، ونهت عن نواه ثلاثة، تعتبر محاسن الأخلاق.
أما الأوامر: فهي التزام العدل، والإنصاف بأداء الواجبات والفرائض، وفعل الإحسان وهو الزيادة والتّفضل، أو النافلة المستحبة فوق الفرض والواجب، وإيتاء ذي القربى أي صلة الأقارب والأرحام. وإنما خصّ ذا القربى؛ لأن حقوقهم أوكد، وصلتهم أوجب.
قال ابن عطية: العدل: هو كلّ مفروض من عقائد وشرائع في أداء الأمانات، وترك الظلم والإنصاف، وإعطاء الحقّ. والإحسان: هو فعل كلّ مندوب إليه؛ فمن الأشياء ما هو كلّه مندوب إليه، ومنها ما هو فرض، إلا أنّ حدّ الإجزاء منه داخل في العدل، والتّكميل الزائد على الإجزاء داخل في الإحسان.
وقسم ابن العربي العدل ثلاثة أقسام: عدل مع الله، وعدل مع النفس، وعدل مع الناس، فقال:
العدل بين العبد وبين ربّه: إيثار حقّه تعالى على حظّ نفسه، وتقديم رضاه على هواه، والاجتناب للزّواجر والامتثال للأوامر.
وأما العدل بينه وبين نفسه: فمنعها مما فيه هلاكها؛ قال الله تعالى:
{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى} وعزوب الأطماع عن الاتّباع، ولزوم القناعة في كلّ حال ومعنى.
وأما العدل بينه وبين الخلق: فبذل التّضحية، وترك الخيانة فيما قلّ وكثر، والإنصاف من نفسك لهم بكلّ وجه؛ ولا يكون منك إساءة إلى أحد بقول ولا فعل، لا في سرّ ولا في علن، والصّبر على ما يصيبك منهم من البلوى، وأقل ذلك الإنصاف وترك الأذى.