أي إن الذين يختلقون الكذب على الله، لا يفوزون بخير في الدنيا ولا في الآخرة، أما في الدنيا فلهم متاع قليل زائل وعرض زائل، وأما في الآخرة فلهم عذاب أليم جدا، كما قال:{نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ}[لقمان ٢٤/ ٣١].
والآية في الأصل خطاب للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب، وأحلوا ما في بطون الأنعام وإن كان ميتة.
وبعد بيان الحلال والحرام والمباح للضرورة لهذه الأمة، ذكر تعالى ما كان حرمه على اليهود في شريعتهم قبل نسخها، فقال:{وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا.}. أي وقد حرمنا على اليهود ما أخبرناك به أيها الرسول في سورة الأنعام:{وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما، إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ}[الأنعام ١٤٦/ ٦] فلا يصح لكم أيها العرب التحريم والتحليل من عند أنفسكم، ولا تقليد اليهود فيما حرمنا عليهم، فلم نحرم عليهم إلا ما ذكر.
وسبب التحريم هو:{وَما ظَلَمْناهُمْ.}. أي وما كان التحريم بظلم منا، ولكن كان بسبب ظلم ارتكبوه، فإنهم ظلموا أنفسهم بعصيان ربهم ومعاندة رسلهم، وتجاوز حدودهم، فاستحقوا ذلك، وعوقبوا بما حرمناه عليهم، كما قال تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ.}.
[النساء ١٦٠/ ٤]. وهو صريح في أن التحريم كان بسبب الظلم والبغي، عقوبة وتشديدا.
ثم أبان الله تعالى إمكان قبول التوبة تكرما وامتنانا على العصاة والمفترين على الله، والمنتهكين حرماته، فقال:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ} أي إن الافتراء على الله ومخالفة أمر الله لا يمنعهم من التوبة وحصول المغفرة والرحمة، فإن