وبقوله صلّى الله عليه وسلّم-فيما يرويه أصحاب السنن وغيرهم عن عمرو بن خارجة-: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث» فصار وجوب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخا، قال ابن كثير: بالإجماع، بل منهي عنه للحديث المتقدم عن عمرو بن خارجة.
أما الأقارب غير الوارثين: فيستحب أن يوصى لهم من الثلث، استئناسا بهذه الآية،
ولقوله صلّى الله عليه وسلّم-فيما رواه الصحيحان-عن ابن عمر:«ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» قال ابن عمر:
«ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك، إلا وعندي وصيتي». والآيات والأحاديث بالأمر ببر الأقارب والإحسان إليهم كثيرة جدا.
وهناك أقوال في نسخ هذه الآية وهي:
١ - ذهب ابن عباس والحسن البصري وطاوس ومسروق وآخرون: إلى أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين نسخت، وبقيت واجبة للقرابة غير الوارثين، لأن الوصية كانت واجبة بالآية لمن يرث ومن لا يرث من الأقربين، فنسخت منها الوصية للوارثين، وبقيت للأقربين غير الوارثين على الوجوب.
واختار ابن جرير الطبري في تفسيره هذا المذهب. ولكن على قول هؤلاء لا يسمى هذا نسخا في اصطلاح المتأخرين، وإنما هو تخصيص.
٢ - وذهب ابن عمر وأبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وآخرون: إلى أن هذه الآية كلها منسوخة بآية المواريث، في حق من يرث وحق من لا يرث، بدليل ما
رواه الشافعي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «حكم في ستة مملوكين كانوا لرجل لا مال له غيرهم، فأعتقهم عند الموت، فجزأهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين، وأرقّ أربعة»(١) فلو كانت الوصية واجبة
(١) رواه الدارقطني عن عمران بن حصين رضي الله عنه (تفسير القرطبي: ٢٧١/ ٢ - ٢٧٢).