وهذا السلطان لولي الدم مقيد بألا يسرف في القتل، أي فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به، أو يقتص من غير القاتل، كعادة أهل الجاهلية والجاهلين اليوم الذين يقتلون الجماعة في الواحد تشفيا واستعلاء، قال مهلهل بن أبي ربيعة حين قتل بجير بن الحارث بن عباد: بؤ بشسع نعل كليب أخي، أي أنت تساوي نعل كليب، ولا يكفيني في كليب إلا قتل آل مرّة جميعا.
لا تسرف أيها الولي في استيفاء القتل، فإنك معان منصور على القاتل شرعا وقدرا، حيث وجب لك القصاص، ويعوضك الله خيرا في الدنيا والآخرة، بتكفير الخطايا، وتعذيب القاتل في النار.
والمقصود بذلك: أن الأولى ألا يقدم ولي الدم على استيفاء القتل، وأن يكتفي بأخذ الدية، أو يعفو مجانا؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ}[البقرة ١٧٨/ ٢] وقوله سبحانه: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى}[البقرة ٢٣٧/ ٢].
النوع الثامن-تحريم أكل مال اليتيم:
{وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ.}. بعد أن حرم الله تعالى إتلاف الأنفس حرم إتلاف الأموال، والمعنى لا تتصرفوا في مال اليتيم ولا تقربوا منه أكلا وإتلافا إلا بما يحقق الفائدة أو المصلحة الظاهرة لليتيم، وهي الطريقة الحسنى بحفظ ماله وتثميره حتى يبلغ رشيدا، ويبلغ أشده مبلغ الرجال، ويكتمل عقله، فالمراد بالأشد: بلوغه إلى سن يتمكن فيه بسبب عقله ورشده القيام بمصالح ماله، وعند الرشد تزول ولاية غيره عنه، وهو حد البلوغ رشيدا. فإن بلغ غير عاقل أو غير رشيد، بقيت الولاية السابقة عليه. وبلوغ العقل: هو أن يكمل عقله وقواه الحسية والحركية.