حقه صلّى الله عليه وآله وسلّم نافلة على الخصوص؛ لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأما غيره من أمته فإن النوافل تكفّر ذنوبهم. ورد ابن جرير هذا القول؛ لأنه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان مأمورا بالاستغفار {وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّاباً}[النصر ٣/ ١١٠] وكان صلّى الله عليه وآله وسلّم يزيد في الاستغفار في اليوم على مائة مرة، وكلما اشتد قرب العبد من ربه، كلما زاد خوفه منه، وإن كان السيد قد أمّنه، وذلك مقام يعرفه أهله.
{عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} أي افعل هذا الذي أمرتك به، لنقيمك يوم القيامة مقاما محمودا، يحمدك فيه الخلائق كلهم، وخالقهم تبارك وتعالى، كما قال ابن كثير.
وأجمع المفسرون-كما ذكر الواحدي-على أنه مقام الشفاعة العظمى في إسقاط العقاب. وهو-كما ذكر ابن جرير-مقام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم القيامة للشفاعة بالناس، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.
وكلمة {عَسى} في كلام العرب تفيد التوقع، وهي هنا للوجوب؛ لأنها تفيد الإطماع، ومن أطمع إنسانا في شيء ثم حرمه، كان غارّا، وهذا المعنى مستحيل على الله تعالى، فهذه الكلمة من الكريم إطماع محقق الوقوع، وهي من الله باتفاق المفسرين واجب.
والمقام المحمود: هو المكان المرموق، والمركز المعلوم المعدّ للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو كما بينا مقام الشفاعة التي يتخلى عنها كل نبي ورسول، أما
الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فيقول:
«أنا لها أنا لها»، فيشفع بالخلق جميعا لتقديمهم للحساب، وتخليصهم من وهج الشمس الشديد التي تدنو من الرؤوس، ويتمنون الانصراف ولو إلى النار.
روى مسلم بسنده عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في قوله تعالى:{عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} قال: «هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه».