وقال تعالى:{كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}[البقرة ٢١٣/ ٢] إلى غير ذلك من الآيات.
وقال القرطبي: وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي، واليقين الضروري، وإجماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل، فمن قال: إن هناك طريقا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل بحيث يستغني عن الرسل فهو كافر، يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب. ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام؛ الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله، فلا نبي بعده ولا رسول. وبيان ذلك: أن من قال: يأخذ عن قلبه، وأن ما يقع فيه هو حكم الله تعالى، وأنه يعمل بمقتضاه، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة، فإن هذا نحو مما
قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام:«إن روح القدس نفث في روعي»(١).
١٤ - لهذه القصة فوائد أدبية رفيعة مجملها: أن يكون المرء متواضعا غير معجب بعلمه، وأن يلتزم بعهده، فلا ينقضه ويعترض على ما لم يعرف سره، وألا يتعجل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بطلب إنزال العقوبة بالمشركين الذين كذبوه وأنكروا رسالته واستهزءوا به وبكتابه، فهم معاقبون هالكون في الدنيا والآخرة.
وتتكرر حوادث القصة مع مرور الزمان، فلا يعترض الإنسان على موت غلام صغير، فقد يكون موته خيرا له ولوالديه، كما أن وقائع الموت المتكررة رحمة بالمجتمع، فلو لم يمت كبار السن وغيرهم لضاقت الأرض بالمواليد المتجددة يوميا. وخرق السفينة يذكرنا بتسلط الظلمة على أموال الضعفاء، وهدم الجدار وإقامته لون من ألوان توفير الثروة المنتظرة ليتيم أو ضعيف من الإله الرحيم
(١) تفسير القرطبي: ٤٠/ ١١ - ٤١. والرّوع: القلب أو العقل. والحديث رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أمامة، وهو ضعيف.