العين الحمئة هو في مجرد رأي العين، وإلا فهي أعظم من الدنيا وأكبر، كما هو معروف. {وَوَجَدَ عِنْدَها} عند تلك العين الحمئة. {قَوْماً} كافرين.
{قُلْنا: يا ذَا الْقَرْنَيْنِ} أي ألهمناه بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإيمان. {إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ} القوم بالقتل على كفرهم. {وَإِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} أي أمرا ذا حسن بالإرشاد وتعليم الشرائع، وقيل: خيّر بين القتل والأسر.
{قالَ} أي ذو القرنين مختارا الدعوة. {أَمّا مَنْ ظَلَمَ} بالشرك والإصرار على الكفر.
{فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} نقتله. {نُكْراً} أي منكرا فظيعا، أو شديدا في النار. {فَلَهُ} في الدارين. {الْحُسْنى} أي الجنة، أو المثوبة وهو مبتدأ، خبره {فَلَهُ} وجزاء: حال أي مجزيا بها، ومن قرأ: فله جزاء الحسنى، فالإضافة للبيان أي المثوبة الحسنى. {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً} اليسر: السهل الميسر غير الشاق، أي نأمره بما يسهل عليه. {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} نحو المشرق.
{مَطْلِعَ الشَّمْسِ} موضع طلوعها. {تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ} هم الزنج. {مِنْ دُونِها} من دون الشمس. {سِتْراً} من اللباس أو البناء أو السقف؛ لأن أرضهم لا تتحمل الأبنية، ولهم سروب يغيبون فيها عند طلوع الشمس، ويظهرون عند ارتفاعها.
{كَذلِكَ} أي إن أمر ذي القرنين كما وصفنا من بلوغه المشرق والمغرب. {وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً} أي وقد اطلعنا علما على ما عند ذي القرنين من الآيات والجند وغيرهما، مما يتعلق بظواهره وخفاياه، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير. {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب، آخذا من الجنوب إلى الشمال. {بَيْنَ السَّدَّيْنِ} بين الجبلين المبني بينهما سدة، وهما جبلا أرمينية وأذربيجان، وقيل: جبلان منيفان في أواخر الشمال في منقطع بلاد الترك، من ورائهما يأجوج ومأجوج. {مِنْ دُونِهِما} أمامهما. {يَفْقَهُونَ قَوْلاً} يفهمون قولا إلا بعد بط ء، أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم.
{قالُوا} أي مترجموهم. {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} هما اسمان أعجميان لقبيلتين، فهما ممنوعان من الصرف، وهما قبيلتان من ولد يافث بن نوح. يأجوج: هم التتر، ومأجوج: هم المغول، وأصلهما من أب واحد يسمى ترك وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا، وتمتد بلادهم من التبت والصين إلى المحيط المتجمد الشمالي، وتنتهي غربا ببلاد التركستان. {مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} أي في أرضنا بالنهب والبغي والقتل والتخريب عند خروجهم إلينا، قيل: كانوا يخرجون في الربيع، فلا يتركون أخضر إلا أكلوه، ولا يابسا إلا احتملوه. وقيل: كانوا يأكلون الناس، والأصح أن يأجوج ومأجوج قوم جبارون أشداء، يمر أوائلهم على بحيرة طبرية، يبعثهم الله في عهد نزول عيسى، كما جاء في صحيح مسلم وشرحه للنووي ٦٨/ ١٨.
{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} جعلا من المال نتبرع به من أموالنا، وقرئ:(خراجا) والخراج: ما لزم أداؤه. {سَدًّا} حاجزا، فلا يصلون إلينا. {ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي} من المال