{قالَ: كَذلِكَ، قالَ رَبُّكَ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} أي قال الله تعالى من جهة الملك مجيبا زكريا عما تعجب منه: الأمر كما قلت، سنهب لك ولدا بالرغم من العقم والهرم، هو علي سهل ميسور، إذا أردت شيئا قلت له: كن فيكون، وقد خلقتك ابتداء وأوجدتك من العدم المحض، ولم تك شيئا قبل ذلك، فإيجاد الولد بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه.
وهذا دليل على القدرة الإلهية الفائقة، فإنه تعالى يسهل عليه كل شيء، وقد قرر هنا أن الأمر سهل يسير عليه، وذكر ما هو أعجب مما سأل عنه زكريا، بحسب تقدير الناس، والحقيقة أن الأمرين على قدرة الله سواء، فسيان خلق الإنسان من العدم أو من طريق التوالد، ومن قدر على خلق الذات، فهو قادر على تبديل الصفات، فيعيد الله إليه وإلى زوجته القدرة على الإنجاب، كما قال:
ثم أخبر الله تعالى عن طلب آخر لزكريا هو تعرف وقت طلوع المبشر به، فقال:
{قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} أي قال زكريا: يا رب اجعل لي علامة ودليلا على وقت وجود الأمر المبشر به وهو حمل امرأتي، لتستقر نفسي، ويطمئن قلبي بما وعدتني، إذ الحمل خفي في مبدئه، ولا سيما ممن انقطع حيضها في الكبر.
فأجابه الله مرة أخرى إلى مطلبه قائلا:
{قالَ: آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا} أي قال الله بواسطة الملك: علامتك على وقوع المسؤول وحصول البشرى من الله سبحانه بحمل امرأتك بابنها يحيى أن يعتقل لسانك، ويحبس عن الكلام، فلا تقدر على تكليم الناس ومحاورتهم مدة ثلاث ليال، وأنت صحيح سوي الخلق، ليس بك آفة أو مرض أو علة تمنعك من الكلام.