عليه السلام ناجى ربه ودعاه في محرابه في حال الخفاء وهو أولى؛ لأنه أبعد عن الرياء، وأقرب إلى الإخلاص، ولئلا يلام على طلب الولد في زمان الشيخوخة.
٣ - قدّم زكريا عليه السلام على السؤال أمورا ثلاثة مثل حيثيات الحكم القضائي: أحدها-كونه ضعيفا، والثاني-أن الله تعالى ما ردّ دعاءه مطلقا، والثالث-كون المطلوب بالدعاء سببا في المنفعة الدينية.
٤ - قال العلماء: يستحب للمرء أن يذكر في دعائه نعم الله تعالى عليه، وما يليق بالخضوع؛ لأن قوله تعالى:{وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} إظهار للخضوع.
وقوله:{وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} إظهار لعادات تفضله في إجابته أدعيته، أي لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك، وعوّدتني الإجابة فيما مضى.
وقوله:{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ} حرص على مصلحة الدين، فإن أقاربه كانوا مهملين للدين، فخاف بموته أن يضيع الدين، فطلب وليا يقوم بالدين من بعده، لا أنه سأل من يرث ماله؛ لأن الأنبياء لا تورث؛ للحديث المتقدم في الصحيحين:«إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة»، وفي سنن أبي داود:«إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، ورّثوا العلم» فتكون الوراثة على لسان زكريا هي وراثة الدين، وتكون مستعارة.
وقد ورث يحيى من آل يعقوب النبوة والحكمة والعلم والدين، كما أن سليمان ورث من داود الحكمة والعلم، ولم يرث منه مالا خلّفه له بعده.
٥ - قوله تعالى:{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} سؤال ودعاء، ولم يصرح بولد، لشيخوخته وعقم امرأته، قال قتادة: جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة. وقال مقاتل: خمس وتسعين سنة، قال القرطبي: وهو أشبه، فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره؛ ولذلك قال:{وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}.