{أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} أي ألا يتفكر هذا الجاحد في أول خلقه، فقد خلقناه من العدم، دون أن يكون شيئا موجودا، فيستدل بالابتداء على الإعادة، والابتداء أعجب وأغرب من الإعادة.
والمعنى: أنه تعالى قد خلق الإنسان، ولم يكن شيئا قبل خلقه، بل كان معدوما بالكلية، أفلا يعيده، وقد صار شيئا، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}[الروم ٢٧/ ٣٠]. وجاء في الحديث الصحيح:«يقول الله تعالى: كذّبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني، وآذاني ولم يكن له أن يؤذيني، أما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من آخره، وأما أذاه إياي فقوله: إن لي ولدا، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن لي كفوا أحد».
ثم هدد تعالى منكري البعث تهديدا من وجوه قائلا.
١ - ٢:{فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ، ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} أي أقسم الرب تبارك وتعالى بذاته الكريمة أنه لا بد أن يحشرهم جميعا وشياطينهم الذين كانوا يعبدون من دون الله، بأن يخرجهم من قبورهم أحياء ويجمعهم إلى المحشر مع شياطينهم الذين أغووهم وأضلوهم. ثم ليحضرنهم حول جهنم بعد طول الوقوف، جاثين قاعدين على ركبهم، لما يصيبهم من هول الموقف وروعة الحساب، كما قال تعالى:{وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً}[الجاثية ٢٨/ ٤٥]. وهذا الإحضار يكون قبل إدخالهم جهنم، ويكون على أذل صورة لقوله: