والتذكير، ولا تلتفت بعدئذ لإعراض المعاندين، ولا ترهق نفسك وتتعبها بحملهم على قبول دعوتك.
ونظير الآية قوله تعالى:{فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}[الكهف ٦/ ١٨]. فقوله:{لِتَشْقى} لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا.
روى جويبر عن الضحاك قال، ومعه مقاتل: لما أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، قام به هو وأصحابه، فقال المشركون من قريش: ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى، فأنزل الله تعالى:{طه، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى، إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى} فليس الأمر كما زعمه المبطلون، بل من آتاه الله العلم، فقد أراد به خيرا، كما
ثبت في الصحيحين عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين».
وما أنزلناه إلا تذكرة لتذكر به من يخاف عذاب الله، وينتفع بما سمع من كتاب الله الذي جعلناه رحمة ونورا ودليلا إلى الجنة، وليس عليك جبرهم على الإيمان، {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ}[الشورى ٤٨/ ٤٢]، و {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية ٢٢/ ٨٨].
وفي هذا إيناس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على إعراض قومه عن دعوته، وضيق نفسه من تصميمهم على الكفر.
روى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة، إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده: إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي».
وكلمة {إِلاّ} في الآية: إما استثناء منقطع بمعنى: لكن، أو متصل