النبوة، وهي التسع آيات التي أنزلت عليك، ولا تضعفا، ولا تفترا عن ذكر الله، ولا عن تبليغ الرسالة إليهم، فإن ذكر الله عون وقوة وسلطان، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي عن عمارة بن دسكرة:«إن عبدي كل عبدي:
الذي يذكرني وهو مناجز قرنه» أي نظيره في الشجاعة والحرب. والذكر يقع على كل العبادات، وتبليغ الرسالة من أعظمها، وذلك بأن يبينا لهم أن الله أرسلهما مبشرين ومنذرين، وأنه لا يرضى منهم بالكفر، ويذكرا لهما أمر الثواب والعقاب والترغيب والترهيب.
{اِذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} اذهبا إلى فرعون، وأبطلا دعواه الألوهية بالحجة والبرهان؛ لأنه جاوز الحد في الكفر والتمرد، وتجبر على الله وعصاه، حين قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى}[النازعات ٢٤/ ٧٩].
وبدأ بفرعون لأنه الحاكم، فإذا آمن تبعه الرعية، ثم بين الله تعالى أسلوب الدعوة، فقال:
{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً، لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} أي فكلماه كلاما رقيقا لطيفا لا خشونة فيه، وخاطباه بالقول اللين، فذلك أدعى به وأحرى أن يفكر فيما تبلغانه، ويخشى عقاب الله الموعود به على لسانكما. والمراد تركهما التعنيف، كقولهما:{هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى.}.
[النازعات ١٨/ ٧٩ - ١٩] لأن نفس الحاكم مستعلية قاسية، لا تقبل القسر والقسوة، وتلين للمديح والاستعطاف. وكلمة «لعل» هنا لتوقع حصول ما بعدها، واحتمال تحققه، فالتوقع فيها من البشر، أي على أن تكونا راجيين لأن يتذكر أو يخشى. والخطاب وإن كان مع موسى، فإن هارون تابع له، فجعل الخطاب معه خطابا مع هارون.
وفي هذه الآية عبرة وعظة وهي أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا