{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً} خروا ساجدين لله تعالى، أي فألقى فتلقفت، فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر، وإنما هو من آيات الله، ومعجزة من معجزاته، فألقاهم ذلك على وجوههم سجدا لله، توبة عما صنعوا وتعظيما لما رأوا {آمَنّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى} قدم هارون لكبر سنه، أو لروي الآية، روي أنهم رأوا في سجودهم الجنة ومنازلهم فيها. {قالَ: آمَنْتُمْ لَهُ} قال فرعون: آمنتم لموسى، واللام لتضمين الفعل معنى الاتباع. {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} أنا في الإيمان له. {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} إن موسى لمعلمكم أو لأستاذكم الذي علمكم السحر، وأنتم تواطأتم على ما فعلتم. {مِنْ خِلافٍ} في موضع النصب على الحال أي لأقطعنها من حال مختلفة: اليد اليمنى والرجل اليسرى.
ومن: ابتدائية. {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي عليها، شبه تمكن المصلوب بالجذوع بتمكن المظروف بالظرف، وهو أول من صلب. {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا} يريد نفسه ورب موسى لقوله:
{آمَنْتُمْ لَهُ}. {أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى} أي أدوم عذابا. وهل نفذ فيهم تهديده؟ الآيات لم تذكر ذلك، لكن ذكر المفسرون أنه أنفذ فيهم وعيده، فقطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم، فماتوا على الإيمان، فقال ابن عباس: كانوا في أول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء بررة.
{قالُوا: لَنْ نُؤْثِرَكَ} قال السحرة: لن نختارك. {عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ} على ما جاءنا موسى به من المعجزات الواضحات الدالة على صدقه. {وَالَّذِي فَطَرَنا} خلقنا وأوجدنا من العدم. وهذا عطف على ما جاءنا، أو قسم {فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ} اصنع ما أنت قاضيه، أي صانعه، أو ما قلته أو احكم. {إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا} أي إنما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الدنيا، فالنصب على الاتساع، أي فيها، ثم تجزى عليه في الآخرة، والآخرة خير وأبقى، فهو كالتعليل لما قبله، والتمهيد لما بعده.
{لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا} من الكفر والمعاصي. {وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} تعلما وعملا في معارضة موسى والمعجزة. {وَاللهُ خَيْرٌ} منك ثوابا إذا أطيع. {وَأَبْقى} منك عذابا إذا عصي.
{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} إن الأمر من يأت ربه كافرا، بأن يموت على كفره وعصيانه.