وجاء في آية أخرى أنهم لما ألقوا {وَقالُوا: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ، إِنّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ}[الشعراء ٤٤/ ٢٦] ونظير الآية التي هنا: {فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ، وَاسْتَرْهَبُوهُمْ، وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[الأعراف ١١٦/ ٧].
وذلك أنهم حشوها بالزئبق الذي يتأثر بحرارة الشمس، أو بمادة أخرى تتأثر بالحرارة، فيخيل للناظر أنها تسعى باختيارها، وكأن الوادي امتلأ حيات يركب بعضها بعضا.
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى} أي أحس موسى بالخوف من أن يغلب، تأثرا بالطبيعة البشرية. وابتهج فرعون وقومه، وظنوا أنهم قد نجحوا، وأن السحرة فازوا على موسى وهارون.
{قُلْنا: لا تَخَفْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى} أي قال الله لموسى: لا تخف، فإنك أنت المستعلي عليهم بالظفر والغلبة.
{وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا، إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ، وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى} أي وألق يا موسى العصا التي في يمينك، تبتلع بعد أن تصير حية جميع ما صنعوه من الحبال والعصي، وسحروا بها أعين الناس، إن الذي صنعوه ليس إلا سحرا خيالا لا حقيقة له ولا بقاء، ولا يفوز الساحر حيث أتى من الأرض، أو حيث احتال، وأنه لا يحصل مقصوده بالسحر، خيرا كان أو شرا. وإنما أبهم العصا تهويلا لأمرها، وأنها ليست من جنس العصي المعروفة.
فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وظهر الحق، وبطل السحر، ودهش الناس الذين ينظرون، وأدرك السحرة أن السحر لا يفعل هذا أبدا، وأن هذا خارج عن طاقة البشر، وأنه من فعل الإله خالق الكون، فآمنوا كما قال تعالى:
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً، قالُوا: آمَنّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى} أي فلما ألقى