{ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ، فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى} أي ثم اصطفاه ربه وقرّبه إليه، بعد أن تاب من المعصية واستغفر ربه منها، وأنه قد ظلم نفسه، فتاب الله عليه من معصيته، وهداه إلى التوبة وإلى سواء السبيل، كما قال تعالى:{فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ، فَتابَ عَلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة ٣٧/ ٢] وقال هو وزوجه: {رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا، لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ}[الأعراف ٢٣/ ٧].
{قالَ: اِهْبِطا مِنْها جَمِيعاً، بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أي قال الله تعالى لآدم وحواء: انزلا من الجنة إلى الأرض معا، بعضكم يا معشر البشر في الدنيا عدو لبعض في أمر المعاش ونحوه، مما يؤدي ذلك إلى وقوع الخصام والنزاع والاقتتال.
{فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً، فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ، فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى} أي فإن يأتكم أيها البشر مني هدى بواسطة الأنبياء والرسل وإنزال الكتب، فمن اتبع الهدى، فلا يضل عن الصواب في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة. قال ابن عباس:«ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن، وعمل بما فيه، ألا يضلّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، وتلا الآية». وقال أيضا:«من قرأ القرآن، واتّبع ما فيه، هداه الله من الضلالة، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب، ثم تلا الآية».
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي، فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} أي ومن أدبر عن ديني وتلاوة كتابي والعمل بما فيه، فإن له في هذه الدنيا عيشا ضيقا، ومعيشة شديدة منغصة، إما بشح المادة وإما بالقلق والهموم والأمراض.
{وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى} أي ونحشره ونبعثه في الآخرة مسلوب البصر، أو أعمى عن الجنة وطريق النجاة، أو أعمى البصر والبصيرة، كما قال