وإنما كانوا بشرا ليتمكن الناس من تلقي الوحي عنهم، والأخذ بيسر بما نزل عليهم. وهذا نص صريح في بشرية الرسل وفي كونهم رجالا لا نساء.
{وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ، وَما كانُوا خالِدِينَ} أي وما جعلنا الأنبياء ذوي جسد غير طاعمين كالملائكة، بل كانوا أجسادا يأكلون الطعام، وما كانوا مخلّدين باقين في الدنيا، ونظير الآية:{وَقالُوا: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ}[الفرقان ٧/ ٢٥] وقوله: {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ}[الفرقان ٢٠/ ٢٥].
وهذا نفي لما اعتقدوا أن من صفات الرسل الترفع عن الحاجة إلى الطعام، فهم كانوا بشرا يأكلون الطعام، ويتصفون بكل الصفات الإنسانية، ويطرأ عليهم الحزن والسرور، والمرض، والنوم واليقظة، والحياة والموت، فلا خلود لهم في الدنيا، كما قال تعالى:{وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ}[الأنبياء ٣٤/ ٢١].
{ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ..}. أي إننا نصون حياة الرسل وكراماتهم، ونصدقهم في الوعد الذي نعدهم به من النصر على أعدائهم، وإهلاك الظالمين، وننجيهم ومن نشاء من أتباعهم المؤمنين بهم، ونهلك المكذبين لهم، المسرفين على أنفسهم بالكفر والمعاصي، المكذبين بما جاءت به الرسل.
وبعد إثبات بشرية الرسل للرد على المشركين الذين اعتقدوا بأن الرسالة من خواص الملائكة، نبّه تعالى على شرف القرآن وفضله ونفعه للناس، وحرض على معرفة قدره، فقال:
{لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي لقد أعطيناكم هذا القرآن العظيم