ورابعا-أوجد الله في الأرض وبين هامات الجبال مسالك وطرقا واسعة، لتكون منافذ يسهل على الناس اختراقها وتجاوزها من مكان لآخر، ومن قطر إلى قطر أو إقليم إلى إقليم. والفجاج جمع فجّ: وهو الطريق الواسع بين الجبلين، ثم فسر تلك الفجاج بالسبل، أي الطرق النافذة السالكة؛ لأن الفج قد يكون طريقا نافذا مسلوكا، وقد لا يكون، ووجود الطرقات للاهتداء بها إلى السير في الأرض نعمة عظمي، وندرك هذه النعمة إذا لاحظنا ما تنفقه الدولة الحديثة من النفقات الباهظة على تعبيد الطرق وشقها، لربط الأقاليم والأمصار وأجزاء البلاد بشبكة من الطرق، تسهل الانتقال بينها والاتصال معها.
وخامسا-جعل السماء سقفا للأرض، محفوظا من الوقوع والسقوط على الأرض، فلا تمكن الحياة في الأرض بدون هذا السقف، كما لا يمكن العيش في بيت أو دار بدون سقف، ولأن حفظ طبقة الهواء بهذا السقف أمر ضروري محتم لحياة الإنسان، كما أن الحفاظ على هذا السقف من التداعي والسقوط على الأرض أمر أساسي لصون الحياة الإنسانية، ومنع الضرر عن الناس، فإذا سقط على الناس بعض الكتل النارية أو الأجرام السماوية، كان الدمار والهلاك الجزئي، فكيف إذا سقطت السماء كلها؟! ومما يدعو إلى الأسف والعجب أن الكفار معرضون عن آيات السماء من الشمس والقمر والنجوم وغيرها. وقد أضاف الله تعالى الآيات في قوله:{وَهُمْ عَنْ آياتِها..}. إلى السماء؛ لأنها مجعولة فيها، وفي مواضع أخرى أضاف تعالى الآيات إلى نفسه؛ لأنه الفاعل لها.
وهذا دليل على أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها، من ليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، وأفلاكها ورياحها وسحابها، وما فيها من قدرة الله تعالى؛ إذ لو نظروا واعتبروا، لعلموا أن لها صانعا قادرا واحدا، فيستحيل أن يكون له شريك.