للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا القول تنبيه إلى ضرورة التأمل في شأنها، وأنها لا تغني عنهم شيئا، لكنهم لم يفعلوا، وأصروا على تقليد الأسلاف دون برهان، فقالوا:

{قالُوا: وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ} أي لا حجة لنا سوى تقليد الآباء واتباع الأسلاف، وكفى بذلك ضعفا وسذاجة، فوبخهم إبراهيم عليه السلام على ما يفعلون:

{قالَ: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي قال إبراهيم لأبيه وقومه: لا فرق بينكم وبين آبائكم، فأنتم وهم في ضلال بيّن واضح، على غير منهج الحق والطريق المستقيم. وهذا تنبيه إلى أن سوء الرأي لا يغيره تقادم الزمن، ومضي الأيام.

فتعجبوا من قوله وسألوه:

{قالُوا: أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاّعِبِينَ} أي ما هذا الكلام الصادر عنك، أتقوله لاعبا هازلا مازحا أم محقا جادّا فيه، فإنا لم نسمع به قبلك؟ فأجابهم إبراهيم بعد إنكاره عبادة الأصنام بما يبين الحق، ويرشد إلى الإله المستحق للعبادة:

{قالَ: بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} أي قال إبراهيم:

إني أتكلم بالجد والحق، لا بالهزل واللعب، فإن الرب المستحق للعبادة هو مالك السموات والأرض الذي خلقها وكونها وأنشأها من العدم، على غير مثال سابق، وهو الخالق لجميع الأشياء، وهو الرب الذي لا إله غيره.

{وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ} أي وأنا أشهد أنه لا إله غيره، ولا رب سواه. والخلاصة: أنه أظهر لهم أنه مجدّ في إظهار الحق الذي هو التوحيد بالقول أولا وهو ما قاله، ثم بالفعل ثانيا. لذا أقسم إبراهيم الخليل قسما أسمعه بعض قومه:

<<  <  ج: ص:  >  >>