{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها} أي واذكر نبأ مريم التي منعت نفسها من الرجال، سواء في الحلال أو الحرام، كما حكى تعالى عنها:{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}[مريم ٢٠/ ١٩] وكما قال في سورة التحريم: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها، فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا}[١٢].
{فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا} أي نفخنا الروح في عيسى في بطنها، أي أحييناه في جوفها. ويلاحظ أن الضمير هنا عائد إلى مريم، وليس المقصود كما هو الظاهر إحياء مريم، وإنما إحياء عيسى في جوفها. وأما في سورة التحريم فالضمير عائد إلى فرجها، أي فنفخنا في فرجها، وقرئ: فيها أي في مريم أو الحمل. وقوله:{مِنْ رُوحِنا} في السورتين أي من روح خلقناه بلا توسط أصل. وأضيف إلى الله تعالى تشريفا.
{وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ} أي وجعلنا أمر مريم وعيسى وهو الحمل من غير أب آية ومعجزة خارجة عن العادة، دالة على أن الله على كل شيء قدير، وأنه يخلق ما يشاء، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له:{كُنْ فَيَكُونُ}.
ونظير الآية قوله سبحانه:{وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ}[مريم ٢١/ ١٩] ولم يقل:
آيتين؛ لأن معنى الكلام: وجعلنا شأنهما وأمرهما وقصتهما آية للعالمين، أو أن الآية واحدة وهي الولادة من غير رجل، وقوله:{لِلْعالَمِينَ} أي الجن والإنس والملائكة.
وهناك آيات أخرى لكل من مريم وعيسى، مثل إتيان الملائكة لها برزقها:
{يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ}[آل عمران ٣٧/ ٣]. وأما آيات عيسى فمثل إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله كما جاء في [آل عمران: الآية ٤٩].