روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال:«تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، فهلكت سبعون وخلصت فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، فتهلك إحدى وسبعون فرقة، وتخلص فرقة واحدة، قالوا:
يا رسول الله، من تلك الفرقة الناجية؟ قال: الجماعة، الجماعة، الجماعة» فتبين بهذا الخبر أن المراد بقوله تعالى: {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ} الجماعة المتمسكة بما بينه الله تعالى في هذه السورة من التوحيد والنبوات، وأن في قول الرسول صلّى الله عليه وسلم في الناجية: إنها الجماعة، إشارة إلى أمة الإيمان. ولكن المراد
بقوله:«ستفترق أمتي» أي في حال ما، وليس فيه دلالة على افتراقها في سائر الأحوال، لا يجوز أن يزيد أو ينقص (١).
والقاعدة الثابتة أن من يعمل شيئا من الطاعات، فرضا أو نفلا، وهو موحد مسلم، مصدق بمحمد صلّى الله عليه وسلم، فلا جحود ولا كفران لعمله، ولا يضيع جزاؤه، والكفر ضدّ الإيمان، وهو أيضا جحود النعمة، وهو ضد الشكر، والله حافظ لعمله، كما قال تعالى:{فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى}[آل عمران ١٩٦/ ٣] أي كل ذلك محفوظ ليجازى به. وفي هذا ترغيب الناس بطاعة الله تعالى.
ومن القواعد والسنن الثابتة الجارية على منهاج واحد أنه ممتنع على أهل قرية أهلكهم الله أن يرجعوا بعد الهلاك إلى الدنيا، وهذا على أن {لا} زائدة. والراجح عند أبي علي الفارسي والزجاج أن {لا} غير زائدة، إذ لا فائدة في أن المراد: وحرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا إلى الدنيا، وإنما في الكلام إضمار، أي وحرام على قرية حكمنا باستئصالها أو بالختم على قلوبها أن يتقبل منهم؛ لأنهم لا يرجعون، أي لا يتوبون. وهذا هو الأولى عندي.
(١) تفسير الرازي: ٢١٩/ ٢٢، والحديث رواه أصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة، ولفظه: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة».