للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم، واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم. ولا تشمل هذه الآية عزيرا والمسيح والملائكة؛ لأن قوله: {إِنَّكُمْ} خطاب مشافهة مع مشركي قريش، وهم كانوا يعبدون الأصنام فقط‍، ولأنه تعالى لم يقل: (ومن تعبدون) بل قال: {وَما تَعْبُدُونَ} وكلمة {ما} لا تتناول العقلاء، فسقط‍ سؤال ابن الزبعرى، كما أبان الرازي (١). وأما قوله تعالى: {وَالسَّماءِ وَما بَناها} [الشمس ٥/ ٩١] وقوله:

{لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ} [الكافرون ٢/ ١٠٩] فهو محمول على الشيء، ونظيره هاهنا أن يقال: إنكم والشيء الذي تعبدون من دون الله، لكن لفظ‍ الشيء لا يفيد العموم، فلا يرد سؤال ابن الزبعرى.

ويتضح سبب النزول المتقدم ودخول الشياطين في المعبودين بما يأتي:

روى محمد بن إسحاق في سيرته: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم دخل المسجد، وصناديد قريش في الحطيم (٢)، وحول الكعبة ثلاث مائة وستون صنما، فجلس إليهم، فعرض له النضر بن الحارث، فكلمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليهم: {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} الآية، فأقبل عبد الله بن الزّبعرى، فرآهم يتهامسون، فقال فيم خوضكم؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله، فقال عبد الله: أما والله، لو وجدته لخصمته، فدعوه، فقال ابن الزّبعرى: أأنت قلت ذلك؟ قال: نعم، قال: قد خصمتك وربّ الكعبة، أليس اليهود عبدوا عزيرا، والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى} الآية، يعني عزيرا والمسيح والملائكة عليهم السلام.


(١) تفسير الرازي: ٢٢٣/ ٢٢
(٢) الحطيم: جدار حجر الكعبة أي حجر إسماعيل من ناحية الشمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>