{وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ} أي وأبيح لكم أيها الناس ذبح الأنعام وأكلها إلا ما استثني وتلي عليكم في آية المائدة وغيرها، وهو الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به.. إلخ ولم يحرم عليكم ما حرمه أهل الجاهلية من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي. فلا يراد من قوله {يُتْلى} ما ينزل في المستقبل، كما هو ظاهر الفعل المضارع، بل المراد: ما سبق نزوله، ويكون التعبير بالمضارع للتنبيه على أن ذلك المتلو ينبغي استحضاره والالتفات إليه.
والاستثناء متصل إن أريد من المستثنى: المحرم من خصوص الأنعام، وهو منقطع إن أريد به ما يشمل الدم ولحم الخنزير وغيرهما، والراجح الأول والجملة معترضة لدفع الإيهام بأن تعظيم الحرمات يقضي باجتناب الأنعام، كما قضي باجتناب الصيد في الحرم وفي أداء المناسك في الحج والعمرة.
{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ} أي تجنبوا القذر من الأصنام، وسميت رجسا تقبيحا لها وتنفيرا منها، وابتعدوا عن عبادة الأوثان، فذلك رجس، والمراد من اجتنابها: اجتناب عبادتها وتعظيمها، وتأكيدا للأمر أوقع الاجتناب على ذاتها. والجملة مرتبطة بقوله:{وَمَنْ يُعَظِّمْ.}. أي إذا كان تعظيم حرمات الله فيه الخير ورضا الله تعالى، وكان من تعظيمها اجتناب ما نهى الله عنه، فاجتنبوا الأوثان، ولا تعظموها، ولا تذبحوا لها كما كان يفعل أهل الجاهلية.
{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} أي وابتعدوا عن الكذب والباطل وشهادة الزور، فذلك كله يدخل تحت عبارة {قَوْلَ الزُّورِ} والأحسن التعميم، حتى يشمل شهادة الزور،
أخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن مسعود أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:«عدلت شهادة الزور الإشراك بالله» ثلاثا، وتلا هذه الآية.