ذكرهم الله قبل آيات الحج، فتكون كلاما متصلا بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ.} .. وإما وعد للمؤمنين الذين تعطشوا إلى رؤية الحرم المقدس بعد منع المشركين لهم، فتكون كلاما متصلا بما قبله مباشرة، فإنهم أخرجوا رسول الله من وطنه الذي تعلق قبله به، حتى إنه نظر إليه حين خروجه من مكة وقال:«والله إنك لأحبّ أرض الله إليّ، وإنك لأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت».
والظاهر أن الآية وعد من الله عز وجل وبشارة للمؤمنين بنصر الله لهم وتمكينهم من عدوهم، وفي ضمنه وعيد شديد، وتهديد للمشركين بقهرهم وخذلانهم، وفيه تمهيد وتوطئة لمشروعية الجهاد.
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} أي رخّص للمؤمنين المعتدى عليهم بالقتال بسبب ظلم المشركين إياهم، بإخراجهم من ديارهم وأموالهم، وإيذاء بعضهم بالضرب والشج، فكانوا يأتون النبي صلّى الله عليه وسلم بين مضروب ومشجوج في رأسه، ويشتكون إليه، فيأمرهم بالصبر، ويقول لهم:«إني لم أومر بقتالهم» حتى هاجر فنزلت هذه الآية في السنة الثانية من الهجرة.
وهي في رأي كثير من السلف كابن عباس وعائشة ومجاهد والضحاك وعروة بن الزبير وزيد بن أسلم ومقاتل وقتادة والزهري: أول آية نزلت في القتال بعد ما نهي عنه في نيف وسبعين آية، وهو الظاهر، ويؤيده سبب النزول المتقدم ذكره، وذكرت الآية بعد الوعد بالمدافعة والنصر.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية: أول آية نزلت في القتال: {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ.}. [البقرة ١٩٠/ ٢].
وفي الإكليل للحاكم: إن أول آية نزلت فيه: {إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ.}. [التوبة ١١١/ ٩].