ثم وعد الله تعالى هؤلاء المعذبين المستضعفين بالنصر فقال:
{وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} أي إن الله وحده هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكنه يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته، وهو حينئذ معهم يؤيدهم بنصره، وقد فعل، فأعزهم وأهلك أعداءهم. هذا رأي ابن كثير (١). ويكون المقصود تنبيه المسلمين إلى أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وأنهم مدعوون للجهاد والكفاح، وإثبات الكفاءة والذات، وأن الجزاء مرتبط بالعمل. وذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا وعد بالنصر، وتأكيد للوعد في الآية المتقدمة بالدفاع عن المؤمنين، وتصريح بأن الوعد السابق لا يراد منه مجرد تخليصهم من أيدي أعدائهم، بل نصرهم عليهم.
وإنما تأخر تشريع القتال إلى ما بعد الهجرة وإلى الوقت المناسب؛ لأن المؤمنين في مكة كانوا قلة، وكان المشركون أكثر عددا، فلو أمر المسلمون-وهم أقل من العشر-بقتال المشركين، لشق عليهم.
ثم وصف الله تعالى حال هؤلاء المؤمنين بقوله:
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا: رَبُّنَا اللهُ} أي إن هؤلاء المؤمنين المعتدى عليهم هم الذين أخرجهم المشركون من مكة إلى المدينة بغير حق، وهم محمد صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، وما كان لهم من إساءة إلى قومهم، ولا كان لهم ذنب إلا أنهم عبدوا الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى:{يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ}[الممتحنة ١/ ٦٠] وقال سبحانه في قصة أصحاب الأخدود: {وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[البروج ٨/ ٨٥].
هذا أول أسباب المشروعية وهو الطرد من الأوطان بغير حق، ثم ذكر تعالى