للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الأشهر أشهرا للحج، وذلك من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

وقال مالك: هي شوال وذو القعدة وذو الحجة كله. وفائدة الخلاف: تظهر فيمن أوقع شيئا من أعمال الحج بعد يوم النحر، فمن قال: إن ذا الحجة كله من أشهر الحج، قال: تم حجه، ولا يلزمه دم بالتأخير.

ومن قال: إلى عشر ذي الحجة، قال: يلزمه دم بالتأخير، كما ذكر الشوكاني.

وذكر الجصاص الرازي توفيقا بين القولين، فقال: وقال قائلون: وجائز أن لا يكون ذلك اختلافا في الحقيقة، وأن يكون مراد من قال: وذو الحجة: أنه بعضه، لأن الحج لا محالة، إنما هو في بعض الأشهر، لا في جميعها، لأنه لا خلاف أنه ليس يبقى بعد أيام (منى) شيء من مناسك الحج. وقالوا: ويحتمل أن يكون من تأوله على ذي الحجة كله: مراده أنها لما كانت هذه أشهر الحج، كان الاختيار عنده فعل العمرة في غيرها، كما روي عن عمر وغيره من الصحابة استحبابهم لفعل العمرة في غير أشهر الحج (١).

وأضاف الجصاص قائلا:

ولا تنازع بين أهل اللغة في تجويز إرادة الشهرين وبعض الثالث بقوله:

{أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} كما

قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «أيام منى ثلاثة» وإنما هي يومان وبعض الثالث. ويقولون: حججت عام كذا، وإنما الحج في بعضه، ولقيت فلانا سنة كذا، وإنما كان لقاؤه في بعضها، وكلمته يوم الجمعة، والمراد البعض، وذلك من مفهوم الخطاب إذا تعذر استغراق الفعل للوقت، كان المعقول منه البعض.


(١) أحكام القرآن: ٢٩٩/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>