ما يصلح علاقة العبد بالرب، وما يصلح علاقات الناس بعضهم مع بعض. لذا جمعت الآية أسمى درجات التهذيب النفسي والاجتماعي، فكل ما أمر الله به خير، لذا قال معللا ذلك الأمر بقوله:
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي لتفلحوا أو افعلوا هذا راجين الفوز والفلاح بما عند الله من الثواب والرضوان. والفلاح: الظفر بنعيم الآخرة.
وتأكيدا لإعداد الذات المؤمنة وتهذيبها، وصونا للجماعة المؤمنة من كيد أعدائها أمر الله بالجهاد، فقال:
{وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ} أي وجاهدوا في سبيل نصرة دين الله، ومن أجل إرضاء الله، جهادا حقا خالصا لوجهه الكريم، لا يشوبه رياء، ولا يثني عنه لوم لائم، فالجهاد في الله: معناه الجهاد في سبيله ومن أجل دينه، والأولى أن يحمل الجهاد على المعنى العام الذي يشمل جميع أنواعه.
والجهاد أنواع ثلاثة كما بينا: جهاد النفس والهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار المعتدين والمنافقين المرجفين. ويكون الجهاد الأخير بالأموال والألسن والأنفس،
أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:«جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» وجهاد اللسان يكون بالحجة والبيان والاعلام، والجهاد بالنفس بحمل السلاح يكون للمعتدين، وهو فرض كفاية على المسلمين، يجزئ فيه قيام بعضهم به متى حققوا المطلوب، وإلا فعلى حسب رأي الحاكم ولو بالنفير العام.
وجهاد النفس أصل لجهاد العدو الظاهر، فهو الجهاد الأكبر كما وصفه الرسول صلّى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم، ولهذا كان فرض عين على كل مسلم. وكذلك جهاد أهل الظلم والبدع فريضة على كل مكلف على قدر طاقته، كما
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم -فيما يرويه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله