والسيادة يتنافى مع سمو الأنبياء، فهم منزهون عن هذه المقاصد الدنيوية الزائلة؛ وأما التقليد فهو دليل القصور العقلي، وتعطيل موهبة الفكر والرأي الحر؛ وأما اتهامه بالجنون فيناقضه أنهم كانوا يعلمون بداهة كمال عقله ورجاحة رأيه؛ وأما التربص به إلى حين ففي غير صالحهم؛ لأنه إن ظهرت الدلالة على نبوته بالمعجزة وجب عليهم قبول قوله في الحال، وإن لم يأت بمعجزة فلا يقبل قوله.
ولما تهاوت حججهم، وأصروا على كفرهم، أمر الله نوحا بالدعاء عليهم والانتقام ممن لم يطعه، ولم يسمع رسالته، وأرسل له رسولا يوحي إليه بصناعة السفينة، فإذا تم صنعها فليأخذ من كل الأصناف زوجين: ذكرا وأنثى، حفاظا على أصول المخلوقات.
ثم أمره الله أولا بأن يحمد الله هو ومن معه على النجاة وتخليصه من القوم الظالمين ومما أحاط بهم من الغرق، والحمد لله: كلمة كل شاكر لله.
وثانيا بأن ينزله مع المؤمنين إنزالا مباركا أو موضعا طيبا مباركا، يهيئ الله به خير الدارين.
وهذا تعليم من الله عزّ وجلّ لعباده إذا ركبوا وإذا نزلوا: أن يقولوا هذا:
{رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً.}. وكذلك إذا دخلوا بيوتهم وسلّموا على أهليهم، أو على الملائكة إذا لم يوجد الأهل.
والخلاصة وعبرة القصة: أن في أمر نوح والسفينة وإهلاك الكافرين لدلالات على كمال قدرة الله تعالى، وأنه ينصر أنبياءه، ويهلك أعداءهم، وأنه تعالى يختبر الأمم بإرسال الرسل إليهم ليظهر المطيع والعاصي.