ثم بيّن الله تعالى السبب الحقيقي في عدم إيمانهم فقال:
{بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ، وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ} أي بل جاءهم الرسول الصادق الأمين بالحق الثابت الذي لا محيد عنه، وهو توحيد الله والتشريع المحقق للسعادة، لكن أكثرهم كارهون لهذا الحق، لتأصل الشرك في قلوبهم، وتمسكهم بتقليد الآباء والأجداد، وحفاظهم على المناصب ومراكز الزعامة والرياسة.
وإنما قال {أَكْثَرُهُمْ} لأن بعضا منهم تركوا الإيمان أنفة واستعلاء، وتخوفا من توبيخ القوم وتعييرهم، لا كراهة للحق، كما حكي عن أبي طالب.
كل ما قابل الباطل، فهو الشيء الثابت والصواب والطريق المستقيم، فلو اتبع أهواء الناس لانقلب باطلا، ولذهب ما يقوم به العالم، وقيل الحق: الإسلام لو اتبع أهواءهم وانقلب شركا لجاء الله بالقيامة ولأهلك العالم، وعن قتادة: أن الحق هو الله ومعناه: ولو كان الله إلها يتبع أهواءهم ويأمر بالشرك والمعاصي، لما كان إلها، ولكان شيطانا.
والمعنى العام: أن الحق لا يتبع الهوى، بل الواجب على الإنسان ترك الهوى واتباع الحق، فإن اتباع الهوى يؤدي إلى الفساد العظيم، فلو جاء القرآن مؤيدا الشرك بالله والوثنية، شارعا ما فيه الفوضى والانحراف كإباحة الظلم وترك العدل، وإقرار النهب والسلب والسرقة، وإباحة الزنى والقتل، وإهمال القيم الخلقية، لاختل نظام العالم ووقع التناقض، وتأخرت المدنية، وفسدت السموات والأرض ومن فيهن، لفساد أهوائهم واختلافها، ولو أبيح العدوان لافتقد الأمن، ولو أبيح الظلم لدمرت المدنية، ولو أبيح الزنى لاختلطت الأنساب وتهدمت الأسر، وهكذا.
ومن أفكارهم وأقوالهم ما حكاه القرآن: {لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ