والخلاصة: أنهم غير معذورين في عدم الاستجابة لدعوة النبي صلّى الله عليه وسلم، فقد أيده الله بدستور رفيع للحياة البشرية، وليس له مطمع مادي في ملك ولا مال ولا جاه.
ثم أبان الله تعالى صحة ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلم فقال:
{وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي وإنك يا محمد لتدعو الناس قاطبة ومنهم هؤلاء المشركون من قريش إلى الطريق المستقيم، والدين القيم الصحيح، وسبيل العزة والكرامة، والخير والسداد والوسط، وهو الإسلام العلاج الشافي لأدواء البشرية، وحل المشكلات الدينية والدنيوية، كما شهدت بذلك العقول السليمة، والدراسات الحيادية المجردة من أعداء الإسلام وعباقرة العلم والمعرفة.
{وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ} أي وإن المكذبين بالآخرة الذين لا يصدقون بالبعث بعد الموت لعادلون جائرون منحرفون عن هذا الطريق؛ لأن طريق الاستقامة واحدة، وما يخالفه فكثير.
{وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ، لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي إن هؤلاء الكفار لو أسبغنا عليهم واسع رحمتنا، وأزحنا عنهم الضر، وأفهمناهم القرآن، لما آمنوا به ولما انقادوا له، ولتمادوا في ضلالهم، ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم، وظلوا متحيرين مترددين، كما قال تعالى:{وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}[الأنفال ٢٣/ ٨].
{وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ، فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ، وَما يَتَضَرَّعُونَ} أي ولقد ابتليناهم بالمصائب والشدائد، فما ردّهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة، بل استمروا على غيهم وضلالهم، وما خشعوا وما خضعوا لربّهم، وما دعوا ولا تذللوا، كما قال تعالى:{فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا، وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنعام ٤٣/ ٦].