للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالت: والله، ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت-وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيرا من القرآن-: والله لقد علمت، لقد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة-والله يعلم أني بريئة- لا تصدقونني، ولئن اعترفت بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدّقنّي، إني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} [يوسف ١٨/ ١٢].

ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا-والله أعلم حينئذ أني بريئة-وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكن والله، ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها.

فو الله ما رام رسول الله صلّى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل الله تعالى على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (١) عند الوحي، حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي أنزل عليه.

فسرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: «أبشري يا عائشة، أمّا الله عزّ وجلّ فقد برّأك» فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عزّ وجلّ، هو الذي أنزل براءتي، وأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآيات العشر كلها.

فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر رضي الله عنه، وكان ينفق على


(١) البرحاء: الشدة والانتفاضة من الجهد أو الألم.

<<  <  ج: ص:  >  >>