{إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} أي إن الذين أتوا بالإفك وهو أبلغ الكذب والافتراء جماعة منكم، لا واحد ولا اثنان، أي ما أفك به على عائشة، بزعامة زعيم المنافقين عبد الله بن أبي، فإنه هو الذي اختلق هذا الكذب، وتواطأ مع جماعة صغيرة، فأصبحوا يروجونه ويذيعونه بين الناس، حتى دخل في أذهان بعض المسلمين، فتكلموا به، وبقي شيوع الخبر قريبا من شهر، حتى نزل القرآن. وفي التعبير بعصبة إشارة إلى أنهم فئة قليلة.
وقوله تعالى:{مِنْكُمْ} أي منكم أيها المؤمنون؛ لأن عبد الله كان من جملة من حكم له بالإيمان ظاهرا.
{لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} أي لا تظنوا-يا آل أبي بكر وكل من تأذى بذلك الكذب واغتم، بدليل قوله تعالى {مِنْكُمْ} -أن ذلك هو شر لكم وإساءة إليكم، بل هو خير لكم في الدنيا والآخرة، لاكتسابكم به الثواب العظيم، وإظهار عناية الله بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حيث أنزل الله براءتها في القرآن العظيم. يتلى إلى يوم القيامة، وتهويل الوعيد لمن تكلم في حقكم.
{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} لكل واحد تكلم في هذه القضية ورمى أم المؤمنين عائشة بالفاحشة نصيب من عذاب عظيم بقدر ما خاض فيه، أو عقاب ما اكتسب.
{وَالَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ} أي والذي تحمل معظم ذلك الإثم منهم، وهو في رأي الأكثرين عبد الله بن أبي، له عذاب عظيم في الدنيا والآخرة، فإنه أول من اختلق هذا الخبر، أو أنه كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه، فمعظم الشر كان منه، أما عذابه في الدنيا فبإظهار نفاقه ونبذه من المجتمع، وأما في الآخرة فهو في الدرك الأسفل من النار.