٣ - {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ} أي ولولا تفضل الله عليكم في الدنيا بأنواع النعم التي منها الإمهال للتوبة، ورحمته بكم في الآخرة بالعفو والمغفرة، لعجلت بكم العقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك. وهذا من الزواجر أيضا. و {لَوْلا} هنا لامتناع الشيء لوجود غيره.
٤ - {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً، وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ} أي لولا تفضل الله عليكم ورحمته لمسّكم العذاب حين تلقيكم أي تلقفكم بألسنتكم حديث الإفك وسؤال بعضكم عنه، وإكثار الكلام فيه، وقولكم ما لا تعلمون، وظنكم ذلك يسيرا سهلا، وهو في شرع الله وحكمه أمر خطير عظيم، من عظائم الأمور وكبائرها، لما فيه من تدنيس بيت النبوة بأقبح الفواحش،
ورد في الصحيحين:«إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يدري ما تبلغ، يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض»
وفي رواية:
«لا يلقي لها بالا».
وهذا أيضا من الزواجر، فقد وصفهم الله بارتكاب ثلاثة آثام، وعلّق مسّ العذاب العظيم بها، وهي:
الأول-تلقي الإفك بألسنتهم، أي الاهتمام بالسؤال عنه وبإشاعته، لا مجرد السماع عفوا، وإنما يأخذه بعضهم من بعض، ويذيعه.
الثاني-التكلم بما لا علم لهم به ولا دليل عليه، وهذا منهي عنه في قوله تعالى:{وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء ٣٦/ ١٧]، وهو شبيه بقوله تعالى:{يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}[آل عمران ١٦٧/ ٣].
الثالث-استصغار ذلك، وهو عند الله تعالى عظيم الإثم، موجب لشديد العقاب.