وقال الماوردي وغيره: اختلفوا هل حدّ النبي صلّى الله عليه وسلم أصحاب الإفك على قولين:
أحدهما-أنه لم يحدّ أحدا من أصحاب الإفك؛ لأن الحدود إنما تقام بإقرار أو ببينة، ولم يتعبّده الله أن يقيمها بإخباره عنها، كما لم يتعبده بقتل المنافقين، وقد أخبره بكفرهم. وعقب القرطبي على ذلك قائلا: وهذا فاسد مخالف لنص القرآن؛ فإن الله عزّ وجلّ يقول:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً} أي لم يأتوا بشهود أربعة على صدق قولهم.
والقول الثاني-أن النبي صلّى الله عليه وسلم حدّ أهل الإفك عبد الله بن أبي، ومسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش. قال القرطبي: المشهور من الأخبار، والمعروف عند العلماء أن الذي حدّ: حسان ومسطح وحمنة، ولم يسمع بحدّ لعبد الله بن أبي. وهذا-أي تعيين الذين حدّوا-رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها. وإنما لم يحد عبد الله بن أبي؛ لأن الله تعالى قد أعدّ له في الآخرة عذابا عظيما، فلو حدّ في الدنيا، لكان ذلك نقصا من عذابه في الآخرة وتخفيفا عنه، مع أن الله تعالى قد شهد ببراءة عائشة رضي الله عنها، وبكذب كل من رماها، فقد حصلت فائدة الحد، إذ مقصوده إظهار القاذف وبراءة المقذوف، كما قال الله تعالى:{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ، فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ}.
وإنما حدّ هؤلاء المسلمون ليكفر عنهم إثم ما صدر عنهم من القذف، حتى لا يبقى عليهم تبعة من ذلك في الآخرة،
وقد قال صلّى الله عليه وسلم في الحدود من حديث عبادة بن الصامت الذي أخرجه مسلم بلفظ:«ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به، فهو كفارة له» أي أن الحدود كفارات لمن أقيمت عليه.
٥ - على المؤمنين والمؤمنات أن يظنوا ببعضهم خيرا، لذا عاتبهم الله تعالى بقوله:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} أي ببعضهم أو