للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك اليوم يوفيهم الله حسابهم أو جزاءهم على أعمالهم، ويعلمون أن وعد الله ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه.

قال الزمخشري رحمه الله وجزاه عن تفسيره الدقيق جدا للقرآن الكريم خير الجزاء: ولو فلّيت (١) القرآن كله، وفتّشت عما أوعد به العصاة، لم تر الله تعالى قد غلّظ‍ في شيء تغليظه في إفك عائشة رضوان الله عليها، ولا أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد، والعقاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام ما ركب من ذلك، واستفظاع ما أقدم عليه، على طرق مختلفة، وأساليب مفتنّة، كل واحد منها كاف في بابه، ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث، لكفى بها، حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه يوفيهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله، حتى يعلموا عند ذلك أن الله هو الحق المبين (٢).

يفهم من هذا الكلام ومن كلام الفخر الرازي أن الله تعالى عاقب هؤلاء القذفة بثلاثة أشياء: كونهم ملعونين في الدنيا والآخرة، وهو وعيد شديد، وشهادة ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم على أعمالهم، وإيفاؤهم جزاء عملهم. والدين بمعنى الجزاء مثل قولهم: «كما تدين تدان» وقيل: بمعنى الحساب كقوله تعالى:

{ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي الحساب الصحيح، والحق: هو أن الجزاء الموفى هو القدر المستحق؛ لأنه الحق، وما زاد عليه هو الباطل.

ثم أورد الله تعالى دليلا ماديا حسيا على براءة عائشة فقال:

{الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ، وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ، وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ، وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ.}.


(١) جعلها بعضهم: قلبت.
(٢) تفسير الكشاف: ٣٨٠/ ٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>