عال أو في صحراء، ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها فقط، أو غروبها فقط، بسبب ظل حاجت للشمس فيما عدا ذلك، بل هي في مكان وسط تتعرض للشمس حالتي الطلوع والغروب ومن أول النهار إلى آخره، فهي شرقية غربية تصيبها الشمس بالغداة والعشي، فيجيء زيتها صافيا معتدلا مشرقا.
{يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ} أي أن زيتها لصفائه وبريقه وإشراقه كأنه يضيء بنفسه، قبل إضاءته ومسّ النار له؛ لأن الزيت إذا كان خالصا صافيا، ثم رئي من بعيد، يرى كأن له شعاعا، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوء، كذلك قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم، ازداد نورا على نور، وهدى على هدى. قال يحيى بن سلام: قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يبيّن له، لموافقته له، وهو المراد من
قوله صلّى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في التاريخ وأبو داود عن أبي سعيد الخدري:«اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله»(١).
{نُورٌ عَلى نُورٍ} أي هو نور مترادف متضاعف، قد اجتمعت فيه المشكاة (الطاقة) والزجاجة والمصباح والزيت، لجعل النور قويا مشعا لا مجال لأي تقوية أخرى فيه، فالمشكاة تحصر النور في اتجاه واحد غير مشتت ولا موزع، وبهاء الزجاجة يزيد الإنارة والتلألؤ وانعكاس الضوء، والقنديل مصدر الطاقة الإشعاعية الكافية التي لا تتوافر فيما سواه، وصفاء الزيت ونقاؤه من أهم عوامل الاحتراق الكامل وتوافر الإضاءة الكاملة.
{يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ} أي يرشد الله إلى هدايته ويوفق من يختاره من عباده، بالنظر وإعمال الفكر وتدبر آي الكون.
{وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ} أي يبين الله تعالى للمكلفين من الناس دلائل الإيمان ووسائل الهداية، ويبصرهم بما خفي عليهم من أمور الحق في صور