طاعة الله تعالى والرسول صلّى الله عليه وسلم في الأمر والنهي، فإن المؤمنين الصادقين وهم عند نزول الآيات المهاجرون والأنصار كانوا إذا دعوا إلى كتاب الله تعالى وحكم رسوله صلّى الله عليه وسلم، قالوا: سمعا وطاعة، دون تمهل ولا تردد.
وهم في هذا القول لم يخسروا، وإنما حققوا لأنفسهم الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، فمن يطع أوامر الله تعالى ويلتزم بحكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمره، ويخف عذاب الله على ذنوبه الماضية، ويتق الله في مستقبل عمره، فهو من الفائزين بكل خير، البعيدين عن كل شر.
ذكر أسلم أن عمر رضي الله عنه بينما هو قائم في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلم، وإذا رجل من دهاقين الروم قائم على رأسه، وهو يقول: أنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فقال له عمر: ما شأنك؟ قال: أسلمت لله، قال:
هل لهذا سبب؟ قال: نعم! إني قرأت التوراة والزبور والإنجيل وكثيرا من كتب الأنبياء، فسمعت أسيرا يقرأ آية من القرآن جمع فيها كل ما في الكتب المتقدمة، فعلمت أنه من عند الله، فأسلمت، قال: ما هذه الآية؟ قال: قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ} في الفرائض {وَرَسُولَهُ} في السنن {وَيَخْشَ اللهَ} فيما مضى من عمره {وَيَتَّقْهِ} فيما بقي من عمره {فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ} والفائز: من نجا من النار، وأدخل الجنة. فقال عمر: قال النبي صلّى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي: «أوتيت جوامع الكلم».
وأما المنافقون فيقسمون بالله تعالى أغلظ الأيمان، وطاقة ما قدروا أن يحلفوا على أنهم يجاهدون مع النبي صلّى الله عليه وسلم في المستقبل ويطيعونه فيما أمر، ولكن أيمانهم كاذبة، لذا نهاهم الله تعالى عن هذا القسم القبيح الكاذب، وأمرهم بالطاعة المعروفة المعتادة لدى المؤمنين، وهي النابعة من إخلاص القلب، ولا حاجة بعدئذ إلى اليمين، فإن الله خبير بما يعملون من الطاعة بالقول، والمخالفة بالفعل.