ووصف المكان بالضيق؛ لأن الكرب مع الضيق، كما أن الرّوح مع السعة، ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السموات والأرض، وجاء في الأحاديث «أن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا» ولقد جمع الله على أهل النار أنواع الإرهاق والتضييق، حيث ألقاهم في مكان ضيق يتراصون فيه تراصا، كما ذكر صاحب الكشاف، وكما روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا:«إن جهنم لتضيق على الكافر كضيق الزّج-الحديدة التي في أسفل الرمح-على الرمح» وسئل النبي صلّى الله عليه وسلم عن ذلك
فقال:«والذي نفسي بيده، إنهم يستكرهون في النار، كما يستكره الوتد في الحائط».
وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:«أول من يكسى حلّة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه، ويسحبها من خلفه، وذريته من بعده، وهو ينادي: يا ثبوراه، وينادون: يا ثبورهم، حتى يقفوا على النار، فيقول: يا ثبوراه، وينادون: يا ثبورهم، فيقال لهم:{لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً، وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً}» أي لا تدعوا اليوم ويلا واحدا، وادعوا ويلا كثيرا. قال ابن كثير: الأظهر أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار، كما قال موسى لفرعون:{وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً}[الإسراء ١٠٢/ ١٧]. أي هالكا.
وبعد أن وصف الله عقاب المكذبين بالساعة قارن بينه وبين ثواب المؤمنين المتقين، بما يؤكد الحسرة والندامة، فقال لرسوله صلّى الله عليه وسلم:{قُلْ: أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً} أي قل يا محمد لهؤلاء المكذبين تهكما بهم وتحسيرا لهم: أهذا العذاب الذي وصفت لكم أفضل أم نعيم جنة الخلد الذي يدوم إلى الأبد، وقد وعدها المتقون الأبرار الذين أطاعوا الله فيما أمر به، وانتهوا عما نهى عنه، وجعلها لهم جزاء طاعتهم في الدنيا، ومآلهم الحسن إليها. وجنة الخلد: هي التي لا ينقطع نعيمها، والخلد والخلود سواء كالشكر والشكور.