{أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا، وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً} أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة، والأقوال والأفعال الحميدة يجزون يوم القيامة الغرفة أي الغرفات لقوله تعالى:{وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ}[سبأ ٣٧/ ٣٤] وهي المنازل العالية، والدرجات الرفيعة في الجنان، بصبرهم على القيام بها، ويلقّون في الجنة تحية وسلاما، أي يبتدرون فيها بالتحية والإكرام، ويعاملون بالتوقير والاحترام، فلهم السلام وعليهم السلام، كما قال تعالى:
ومفاد الآية أن الطائعين في نعيم الجنة مع التعظيم والاحترام، على عكس العصاة الذين يضاعف لهم العذاب، مع الإهانة والاحتقار.
{خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً} أي إن نعيمهم دائم لا ينقطع، فهم مقيمون في الجنان، إقامة مستمرة لا يحوّلون، ولا يموتون ولا يزولون عنها، ولا يبغون عنها حولا، حسنت منظرا، وطابت مقيلا ومنزلا، كما قال تعالى:
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ، إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[هود ١٠٨/ ١١].
والخلاصة: أن الله وعد عباد الرحمن بالمنافع الجلي في الجنة أولا، وبالتعظيم ثانيا، ثم بيّن أن صفتهما الدوام:{خالِدِينَ فِيها}، والخلوص أيضا {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً}.
{قُلْ: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ} أي إن الله غني عن عباده، وإنما كلفهم لينتفعوا، وعذبهم لعصيانهم، فلا يبالي بهم ولا يكترث إذا لم يؤمنوا به ولم يعبدوه، فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلا، كما قال سبحانه:{وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات ٥٦/ ٥١].